فصل: حصار السلطان محمد بغداد.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.حصار السلطان محمد بغداد.

كان السلطان محمد قد بعث إلى المقتفي في الخطبة له ببغداد فامتنع من إجابته ثم بايع لعمه سليمان وخطب له وكان ما قدمناه من أمره معه ثم سار السلطان محمد من همذان في العساكر نحو العراق فقدم في ذي الحجة سنة إحدى وخمسين وجاءته عساكر الموصل مددا من قبل قطب الدين ونائبه زين الدين واضطربت الناس ببغداد وأرسل المقتفي عن فضلو بواش صاحب واسط فجاء عسكره وملك مهلهل الحلة فاهتم ابن هبيرة بأمر الحصار وجمع السفن تحت الناجي وقطع الجسر وأجفل الناس من الجانب الغربي ونقلت الأموال إلى حريم دار الخلافة وفرق المقتفي السلاح في الجند والعامة ومكثوا أياما يقتتلون ومد السلطان جسرا على دجلة فعبر على الجانب الشرقي حتى كان القتال في الجانبين ونفدت الأقوات في العسكر واشتد القتال والحصار على أهل بغداد لانقطاع الميرة والظهر من عسكر الموصل لأن نور الدين محمود بن زنكي وهو أخو قطب الدين الأكبر بعث إلى زين الدين يلومه على قتال الخليفة ثم بلغ السلطان محمدا أن أخاه ملك شاه والمذكر صاحب بلاد أران وأرسلان ابن الملك طغرل بن محمد ساروا إلى همذان وملكوها فارتحل عن بغداد في آخر ربيع سنة اثنتين وخمسين وسار إلى همذان وعاد زين الدين كوجك إلى الموصل ولما قصد السلطان محمد همذان صار ملك شاه والمذكر ومن معهما إلى الري فقاتلهم شحنتها آبنايخ وهزموه وأمده السلطان محمد بالأمير سقمان بن قيمار فسار لذلك ولقيهما منصرفين عن الري قاصدين بغداد فقاتلهما وانهزم أمامهما فسار السلطان في أثرهما إلى خوزستان فلما انتهى إلى حلوان جاءه الخبر بأن المذكر بالدينور وبعث إليه آبنايخ بأنه استولى على همذان وأعاد خطبته فيها فافترقت جموع ملك شاه والمذكر وفارقهم شملة صاحب خوزستان فعادوا هاربين إلى بلادهم وعاد السلطان محمد إلى همذان.

.حروب المقتفي مع أهل النواحي.

كان سنقر الهمذاني صاحب اللحف وكان في هذه الفتنة قد نهب سواد بغداد وطريق خراسان فسار المقتفي لحربه في جمادى سنة ثلاث وخمسين وضمن له الأمير خلطوا براس إصلاحه فسار إليه خاله على أن يشرط المقتفي معه في بلد اللحف الأمير أزغش المسترشدي فأقطعهما لهما جميعا ورجع ثم عاد سنقر على أزغش وأخرجه وانفرد ببلده وخطب للسلطان محمد فسار إليه خلطوا براس من بغداد في العساكر وهزمه وملك اللحف وسار سنقر إلى قلعة الماهكي للأمير قايماز العميدي ونزلها في أربعمائة ألف فارس ثم سار إليه سنقر سنة أربع وخمسين فهزمه ورجع إلى بغداد فخرج المقتفي إلى النعمانية وبعث العساكر مع ترشك فهرب سنقر في الجبال ونهب ترشك مخلفه وحاصر قلعة الماهكي ثم عاد إلى البندنجين وبعث بالخبر إلى بغداد ولحق سنقر بملك شاه فأمده بخمسمائة فارس وبعث ترشك إلى المقتفي في المدد فأمده وبعث إليه سنقر في الإصلاح فحبس رسوله وسار إليه فهزمه واستباح عسكره ونجا سنقر جريحا إلى بلاد العجم فأقام بها ثم جاء بها سنة أربع وخمسين إلى بغداد وألقى نفسه تحت التاج فرضي عنه المقتفي وأذن له في دخول دار الخلافة ثم زحف إلى قايماز السلطان في ناحية بادرايا سنة ثلاث وخمسين فهزمه وقتله وبعث المقتفي عساكره لقتال شملة فلحق بملك شاه.

.وفاة السلطان محمد بن محمود وملك عمه سليمان شاه ثم أرسلان بن طغرل.

ثم إن السلطان محمد بن محمود بن ملك شاه لما رجع عن حصار بغداد أصابه مرض السل وطال به وتوفي بهمذان في ذي الحجة سنة أربع وخمسين لسبع سنين ونصف من ملكه وكان له والد فيئس من طاعة الناس له ودفعه لأقسنقر الأحمديلي وأوصاه عليه فرحل به إلى مراغة ولما مات السلطان محمد اختلف الأمر فيمن يولونه ومال الأكثر إلى سليمان شاه عمه وطائفة إلى ملك شاه أخيه وطائفة إلى أرسلان بن السلطان طغرل الذي مع إلدكز ببلاد أران وبادر ملكشاه أخوه فسار من خوزستان ومعه شملة التركماني ودكلا صاحب فارس ورحل إلى أصبهان فأطاعه ابن الخجندي وأنفق عليه الأموال وبعث إلى عساكر همذان في الطاعة فلم يجيبوه وأرسل أكابر الأمراء من همذان إلى قطب الدين مودود بن زنكي صاحب الموصل في سليمان شاه المحبوس عنده ليولوه عليهم وذلك أول سنة خمس وخمسين فأطلقه على أن يكون أتابكا له وجمال الدين وزيره وزيرا وجهزه بجهاز السلطنة وبعث معه نائبه زين الدين علي كوجك في عسكر الموصل فلما قاربوا بلاد الجبل وأقبلت العساكر من كل جهة على السلطان سليمان فارتاب كوجك لذلك وعاد إلى الموصل فلم ينتظم أمر سليمان ودخل همذان وبايعوا له وخطب له ببغداد وكثرت جموع ملك شاه بأصبهان وبعث إلى بغداد في الخطبة وأن يقطع خطبة عمه ويراجع القواعد بالعراق إلى ما كانت فوضع عليه الوزير عون الدين بن هبيرة جارية بعث بها إليه فسمته فمات سنة خمس وخمسين فأخرج أهل أصبهان أصحابه وخطبوا لسليمان شاه وعاد شملة إلى خراسان فملك كل ما كان ملك شاه تغلب عليه منها واستقر سليمان شاه بتلك البلاد وشغل باللهو والسكر ومنادمة الصفاعين وفوض الأمور إلى شرف الدين دوا داره من مشايخ السلجوقية كان ذا دين وعقل وحسن تربية فشكا الأمراء إليه فدخل عليه وعذله وهو سكران فأمر الصفاعين بالرد عليه وخرج مغضبا وصحا سليمان فاستدرك أمره بالاعتذار فأظهر القبول واجتنب الحضور عنده وبعث سليمان إلى ابنايخ صاحب الري يستقدمه فاعتذر بالمرض إلى أن يفيق ونمي الخبر إلى كربازه الخادم فعمل دعوة عظيمة حضرها السلطان والأمراء وقبض عليه وعلى وزيره أبي القاسم محمود بن عبد العزيز الحامدي وعلى أصحابه في شوال من سنة ست وخمسين فقتل وزيره وخواصه وحبسه أياما وخرج ابنايخ صاحب الري ونهب البلاد وحاصر همذان وبعث كردباز إلى إلدكز يستدعيه ليبايع لربيبه أرسلان شاه بن طغرل فسار في عشرين ألف فارس ودخل همذان وخطب لربيبه أرسلان شاه بن طغرل بالسلطنة وجعل إلدكز أتابكا له وأخاه من أمه البهلول بن إلدكز حاجبا وبعث إلى المقتفي في الخطبة وأن تعاد الأمور إلى ما كانت عليه أيام السلطان مسعود فطرد رسوله وعاد إليه على أقبح حالة وبعث إلى ابنايخ صاحب الري فحالفه على الاتفاق وصاهره في ابنته على البهلول وجاءت إليه بهمذان وكان إلدكز من مماليك السلطان مسعود وأقطعه أران وبعض أذربيجان ولم يحضر شيئا من الفتنة وتزوج أم أرسلان شاه وزوجه طغرل فولدت له محمدا البهلوان وعثمان كزل أرسلان ثم بعث إلدكز إلى آقسنقر الأحمديلي صاحب مراغة في الطاعة لأرسلان شاه ربيبه فامتنع وهددهم بالبيعة للطفل الذي عنده محمود بن ملك شاه وقد كان الوزير ابن هبيرة أطمعه في الخطبة لذلك الطفل فيما بينهم فجهز إلدكز العساكر مع ابنه البهلوان وسار إلى مراغة واستمد آقسنقر ساهرمز صاحب خلاط فأمده بالعساكر والتقى آقسنقر والبهلوان فانهزم البهلوان وعاد إلى همذان وعاد آقسنقر إلى مراغة ظافرا وكان ملك شاه بن محمود لما مات بأصبهان مسموما كما ذكرنا لحق طائفة من أصحابه ببلاد فارس ومعه ابنه محمود فقبض عليه صاحب فارس زنكي بن دكلا السلعري بقلعة إصطخر ولما بعث إلدكز إلى بغداد في الخطبة لربيبه أرسلان وشرع الوزير عون الدين أبو المظفر يحيى بن هبيرة في التصريف بينهم بعث ابن دكلا وأطمعه في الخطبة لمحمود بن ملك شاه الذي عنده إن ظفر بإلدكز فأطلقه ابن دكلا وبايع له وضرب الطبل على بابه خمس نوب وبعث إلى ابنايخ صاحب الري فوافقه وسار إليه في عشرة آلاف وبعث إليه آقسنقر الأحمديلي وجمع إلدكز العساكر وسار إلى أصبهان يريد بلاد فارس وبعث إلى صاحبها زنكي بن دكلا في الطاعة لربيبه أرسلان فأبى وقال: إن المقتفي أقطعني بلاده وأنا سائر إليه واستمد المقتفي وابن هبيرة فواعدوه وكاتبوا الأمراء الذين مع إلدكز بالتوبيخ على طاعته والانحراف عنه إلى زنكي بن دكلا صاحب فارس وابنايخ صاحب الري وبدأ إلدكز بقصد ابنايخ ثم بلغه أن زنكي بن دكلا نهب سميرم ونواحيها فبعث عسكرا نحوا من عشرة آلاف فارس لحفظها فلقيهم زنكي فهزمهم فبعث إلدكز إلى عساكر أذربيجان فجاء بها ابنه كزل إرسلان وبعث زنكي بن دكلا العساكر إلى ابنايخ ولم يحضر بنفسه خوفا على بلاد شملة صاحب خوزستان ثم التقى إلدكز وابنايخ في شعبان سنة ست وخمسين فانهزم ابنايخ واستبيح عسكره وحاصره إلدكز ثم صالحه ورجع إلى همذان.